7 أيام في مستشفى محمد السادس “الجزء الثاني”

نيشان الآن

*بقلم عادل بابسة.*

بدأت الطبيبة تأخذ الحقن وتغرسها في رقبتي تقريبا 5 حقن تأخذ بها ما بداخل الورم. عندما إنتهت، قادوا بي السرير إلى الطابق التاني على ما أتذكر. لبست ملابسي ومضيت إلى حال سبيلي. العملية بعد أسبوع.

في تلك المدة بدأت غريزة الحياة تتولد، وفكرة الموت في غرفة العمليات كانت غير مقبولة. مخدر وإلى دار البقاء. بين التفكير في إجرائها والهروب منها. وبعد صراع داخلي طاحن، جاء اليوم المقرر.

كانتن قبل العيد بيوم إلتحقت بقسم الأنف والحنجرة بالملف الطبي كامل. قادتني الممرضة إلى سريري في غرفة في المستوى بمكان الاستحمام والمرحاض. المهم، غرفة مريحة لكن الراحة في البال وليس في ما يدور حولك. سواء لا أكل ولا شرب ولا حتى نوم. كان عيد الأضحى اليوم الآخر، فتسللت حتى أقضي يومًا أو يومين مع العائلة وأعود. وهو ما كان رجعت فوجدت المكان خاليًا، لا يوجد إلا حراس الأمن في كل مكان. المهم، توجهت إلى قاعتي كأن لم يحدث شيء. في الليل جاءت طبيبة صغيرة في السن قد تكون ما زالت تدرس في معهد الطب وبختني قليلًا وذهبت. موعد العشاء أكلات غير معروفة. المهم، تسد الرمق أو تخرج إلى أحد المحلات المحيطة وتشتري ما تريد.

في الغرفة سريران واحد كان لي والآخر كان فارغ حتى اليوم الموالي رجل في عقده السادس لا يتكلم رفقة زوجته إمرأة بدوية لم تختلط بالمدينة إلا في تلك الفترة، فقد قضت جل حياتها في قرية في نواحي شيشاوة. نضرت إلى الرجل فوجدت تقبا في حنجرته وقتما يريد الحديث كان لا بد عليه وضع إصبعه في رقبته لكي يوصل لك بضع كلمات غير مفهومة. كان يتعذب في كل مرة، فكنت أحاول فهم ما يقول كل مرة وأستبقه في الإجابة. السيد كان يتعاطى مادة الكيف ومع تراكم السنوات، السرطان بدأ ينتشر في جسمه ومع البطء في العلاج، يزداد الأمر سوءًا.

كانت زوجته تريد البقاء معه لكن طلبها كان بالرفض. فبحثت عن عائلة في مراكش من أقاربها لم ترهم من سنوات للمبيت عندهم والقدوم في فترة الزيارة لجلب لزوجها اللوازم الضرورية وتغيير الملابس له بعد دش ساخن خفيف. بصراحة، ونعم الزوجة قد لا تكون شاهدت المسلسلات التركية والمكسيكية وتعلمت الحب المصنع من التلفاز، لكن تحب زوجها بشكل كبير. فحينما تتركه كانت عشرات الاتصالات في هاتفي، فقد أعطيتها رقمي وقلت لها: “لا تقلقي سأهتم به”. فكانت تتصل في الصباح وفي الظهيرة، وكدلك في الليل.

طفل آخر سيكون في عمر 12 عامًا. كدلك نفس الحالة بنفس التقب، يأتي إلى القسم كل صباح للمعاينة. يحبه الجميع هناك. كانت تصعب على حال تلك الفترة، فقد كان في فترة يقضيها الإنسان عادة في اللعب والسفر، ولكن قضاها في المرض والمعاناة. ومع ذلك، لم تفارقه الابتسامة.

المهم، تلت أيام أخرى مليئة بالأكل والشرب والنوم، ومرور الأطباء من وقت لآخر في انتظار تحديد موعد العملية. في كل صباح، كانت السرائر تقاد إلى الطابق الأرضي، تنتظر الدور بخوف. فكل من يذهب وهو يضحك، لكن يعود القليل منهم في حالة سبات، والباقي في الانعاش، والبعض يموت في غرف العمليات.

في تلك المدة، كل ليلة ومع اقتراب صلاة الفجر، دائمًا ما أسمع صوتًا عذبًا يرتل القرآن ويبكي في الغرفة المجاورة. في الليل، تنام ساعتين على الأكثر، فقسم المستعجلات وأصوات سيارات الإسعاف تأتي كل عشر دقائق. هذا الشخص بعد أن سألت سيجري عملية معقدة ونسبة النجاح ضئيلة مثل الرجل الستيني، قال لي في ذلك اليوم بنفس تخمة الصوت: “ما فينا والو، أوليدي”. فهو لم يكن يعلم من ما يعاني رغم معرفة أقربائه، فضلوا عدم مصارحته لكي لا يبقى مشغول البال.

مع بقاء يوم، كل أخذ ورقة فيها لوازم العملية وطلب من الجميع الخروج إلى أقرب صيدلية و اقتنائها. لم تكن لدي نقود، فأقرضتني تلك السيدة مبلغ 50 درهمًا لشراء آلة بلاستيكية كان دورها تصفية الدم من الحنجرة. أما هي فقد اشترت ما يزيد عن 8000 درهم من معدات الحقن والخيط وأنابيب بلاستيكية.

“الله يخليك صحتك في هذه البلاد”. أما المسكين، فرآه مجرد رقم في سلسلة أرقام لا تنتهي. في يوم العملية نزعت ملابسي ولبست لباسًا شفافًا وغطاءًا للرأس وانتظرت بعد مدة قصيرة أقاد مرة أخرى بالسرير وإلى الطابق السفلي، إلى غرفة العمليات. سألتني إحدى الطبيبات إن كنت أتعاطى المخدرات، أجبتها بالنفي، فالسجائر هي ما تبقت من سلسلة الماضي ويصعب إزالتها. بدأت تركب لي أنابيبًا في يدي، وما أنا إلا كمجسم لا يتحرك ولا يمكنه الصراخ. بعد دقائق، عيناي تتغلقان من تلقاء نفسهما. فأذهب إلى حلم جميل…

نيشان الآن 

(يُتبع)

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد