صلاح الساعات و علاج بوزلوم !!!

نيشان الآن 

محمد كرم

ثمة داخل حدودنا ـ و حتى وراءها ـ يافطات تجارية كثيرة تستوقفني أحيانا لسبب أو لآخر و أجد لذة خاصة في محاولة تحليل فحواها و خاصة عندما تعكس التسمية المختارة جانبا من هوية صاحب المشروع أو مستواه الدراسي أو مواقفه أو أولوياته أو حتى أذواقه. و بصفة عامة يمكن الجزم بأن معظم الأسماء التي تطلق على المحلات التجارية ليست عشوائية بل لها في الغالب ما يبررها :

“قيسارية نوفل ” : أغلب الظن أن الأمر يتعلق بإسم إبن صاحب المشروع البكر الذي ربما تزامن ميلاده مع الشروع في استغلال المجمع التجاري. طبعا هذا الاختيار، و الذي أملته حتما الفرحة المواكبة لاستقبال المولود، لن يروق للأنجال اللاحقين الذين سيرون في هذه البادرة نوعا من الحيف.

“مفاتيح مانهاتن” : هذه اللوحة التجارية لا تحدد النشاط المهني الممارس فحسب بل و تشي أيضا بوجود انبهار دفين بالحضارة الأمريكية المعاصرة و رموزها.

“فران الوحدة العربية” : و كأن صاحب الفرن يهمس في آذان الزبناء و المارة بأن لا أمل في تجاوز العرب لمحنهم الراهنة إلا بوحدتهم.

” : Ecole Saint-Martin”

هذه التسمية تشتم فيها رائحة الاستلاب الحضاري، و في هذه الحالة من الطبيعي أن  تغيب الترجمة.

“أجزاء السيارات أولاد تايمة” :  و كأني بمستغل هذا المتجر يصيح بأعلى صوته منبها : “يا أهل المدينة، شكرا على استضافتكم لي على أرضكم و يشرفني طبعا أن أتقاسم معكم نفس الهواء و نفس الفضاء العام لكن لا تنسوا أبدا بأني من منبت هواري أبا عن جد … و أفتخر.”  و هذا الصنف من العلامات التجارية نجده في كل ربوع مملكتنا و هو لا يحتاج إلى اجتهاد أو استشارة.

“زجاج الانتفاضة ” : تضامن صاحب المحل مع الفلسطينيين في مآسيهم المتتالية و اقتناعه بحتمية المقاومة المسلحة و لو بالاكتفاء بسلاح الحجارة لا يحتاجان إلى دليل.

“مقهى شمس الأصيل” : كوكب الشرق السيدة أم كلثوم حاضرة بقوة في هذه التسمية خاصة عندما نعلم أن صاحب المقهى كان من معاصري “الست” و من أشد المتعصبين لفنها.

“قاعة الشاي ريمونتادا” : و من منا لا يتذكر ريمونتادا فريق الرجاء البيضاوي في مباراته ضد غريمه الوداد برسم ثمن نهاية كأس العرب للفرق البطلة في نونبر 2019 ؟ أكاد أجزم أن مالك المشروع رجاوي حتى النخاع و مستعد للتضحية بالزبناء الوداديين.

“Barber Shop”: تبني مصطلح “barber” كبديل لمصطلح “حلاق” ببعض صالونات الحلاقة العصرية فيه رسالة واضحة مفادها أن الخدمات الأساسية و التكميلية المقدمة ليست موجهة للجميع و ليست في متناول ميزانيات الجميع.

“إنترنت الهداية” : ربما الهدف من وراء تبني هذه التسمية هو حث اليافعين بشكل خاص على الاستعمال الآمن للشبكة العنكبوتية. و لعل ما يعزز هذه الفرضية هو إقدام صاحب “السيبير” على تثبيت تنبيه مطبوع أمام كل مستخدم هذا فحواه : أجمل ما في الإبحار عبر النت هو أن لا أحد يراقب اختياراتك إلا الله !!

 

و هناك أسماء تفوح منها رائحة العشوائية و يستند انتقاؤها بكل تأكيد على مبدأ “كور و اعطي للاعور”، إذ لم تخضع و لو للحد الأدنى من الدراسة و لا تعكس أي شيء بقدر ما هي مرآة لمستوى واضعيها الدراسي و الثقافي و الذهني :

“محلبة أنتركونتيننتال” : (الثقة بالنفس في أبهى صورها !)

“مصبنة الزعفران” (أمام هكذا اجتهاد أنا مضطر إلى رفع الراية البيضاء !)

“دراجات شهرزاد” (أي ذنب اقترفت بطلة “ألف ليلة و ليلة” حتى يقترن إسمها ب “سيكليس” ؟)

“دواجن الحرية” : (أتحدى صاحب هذه التجارة أن يبادر إلى إطلاق سراح دجاجة واحدة فقط من دجاجه و يتركها تتجول بالشوارع المجاورة !!)

“ميكانيك النشاط” ( متى ارتبطت الخدمات الميكانيكية و تكاليفها بالنشاط بمعناه الترفيهي ؟)

“حلزون الصفا و المروة” (وحدهم جهابدة الأزهر الشريف و الزيتونة و القرويين قادرون على استجلاء العلاقة القائمة بين الإسم و المسمى.”

“مخبزة تيميتار” ( على شاكلة “أفرشة موازين” !! )

“أثاث لوكس” (بالنظر إلى شكل المتجر الخارجي و الداخلي و موقعه و قيمة محتوياته المستعملة فإن أي علاقة ممكنة بين السلع المعروضة و الفخامة لن تندرج إلا في إطار الخيال العلمي.)

“حمام الإمام الشافعي” ( منطقيا، من المفترض أن تكفل هذه التسمية الاستحمام المجاني لفائدة نسل الإمام  !!)

“أسماك مراكش” ( متى أصبحت للمدينة الحمراء واجهة بحرية أو نهر عظيم يعج بالأسماك على الأقل ؟)

“مكتبة بويا عمر” (هل من شأن تسمية كهاته أن تحفز الناس على الإقبال على الكتب ؟)

“حواسيب و ألاعيب” (أي الألعاب الإلكترونية … المهم القافية كاينة !!!)

“خياط باب السرور” ( متى كان للسرور باب و نوافذ و شرفة و قبو و سطح … و ربما كراج أيضا ؟)

“حلويات نافورة اللوز” (للأسف الشديد، القانون الجنائي لا ينص على سجن الموقعين على هذا الصنف من الإبداع.)

“مشواة السعادة” ( أي خيال هذا الذي ألهم صاحبه  وضع السعادة على مشواة ؟)

“مجزرة الأحباب” (يا لطيف و يا حفيظ و يا مغيث !!! الوحشية في أبشع صورها !)

 

و هناك تسميات تبدو اعتباطية للوهلة الأولى لكن عند الاطلاع على ظروف إطلاقها نكتشف الذكاء أو على الأقل المنفعة الكامنة وراء تبنيها. فإسم غريب من قبيل “صيدلية فندق الأقحوان” مثلا غالبا ما يجد تفسيره في كون الفندق المعني أكثر شهرة من الصيدلية المجاورة له الأمر الذي حدا بصاحب هذه الأخيرة إلى استغلال إسمه لتسهيل ولوج الناس إلى تجارته و خاصة أثناء تأمينه للحراسة الدورية.

 

و طبعا أينما يممت وجهك ستجد نفسك أمام التسميات التقليدية التي أبت إلا أن تظل حاضرة بالمشهد المغربي و بأذهان أجيال متعاقبة من المغاربة :

“وكالة الزهور للشؤون العقارية” ـ “توابل الفرح” ـ “مطـــــحنة الفردوس” ـ “أحـــذية الأندلس” ـ “حلاق الشباب” ـ “أثواب السلام” ـ “زيتون الازدهار” ـ “عجلات الأطلس” ـ “كهرباء السيارات مرحبا” …

 

و هناك أسماء تجارية ربما تدل ـ ضمن تأويلات أخرى ـ على نفاد صبر واضعيها الذين بحكم ما لاحظوه من شلل في عمل الجهات الموكول إليها تطوير لغتنا الرسمية اضطروا إلى إعادة استعمال مصطلحات أجنبية بحروف عربية :

“إصلاح جميع أنواع الشاكمات و الكاردات”

“تركيب الموتيسورات”

“سودور الزمن الجميل”

“طولوري الراحة”

“هنا خدمات البروشينغ و الديفريزاج و الديكاباج  و الكوماج و المانيكير و البيديكير”

“إصلاح البورطابلات + الفلاشاج + الديكوداج + الفورمطاج”

“طابيسري النخيل”

“بيتزا أومبورطي بثمن مناسب”

“ديباناج الكتبية”

“باشات و باراصولات أم الربيع”

“رتوشات المجد”

“طريطور التاج للأعراس و الجنائز”

“إصلاح الكوكوطات و مولينيكس”

 

و أضحى من “المشروع” اليوم كذلك “ترسيم” مصطلحات عامية بدافع ضمان استيعابها بسهولة و سرعة من قبل الزبناء المحتملين و ذلك في غياب مقابلاتها الفصيحة. (قد تكون هذه المقابلات جاهزة لكن لم يرخص لها بعد بمغادرة رفوف مكتب تنسيق التعريب.)   :

“كراء التكاشط”

“كراء الطيافر”

“التنكيف بأحدث العماريات”

“صناعة السدادر بخشب العرعار”

“إصلاح البرارد و المقارج”

“بيع المسمن و الملاوي و البغرير و البطبوط” (ربما كان نور الدين عيوش على حق عندما اقترح إدماج أسماء الفطائر المغربية ضمن المقررات المدرسية !!)

 

و هناك اليوم أيضا شريحة جديدة من التجار و المقاولين الذين لا يرضون عن الإنجليزية بديلا و ذلك إما من باب “البريستيج” الذي يوحي به تبني هذه اللغة أو من باب اقتناعهم بأن المستقبل للأنجلوفونية و ليس للفرنكفونية أو العربفونية، إلا أنه في فورة تحمس البعض للغة الجديدة و في ظل الضعف العام الذي يسم مستوى امتلاكها في صفوف المغاربة هناك من يرسو اختياره على تسميات ظاهرها إنجليزي لكنها لا تمت إلى الإنجليزية بصلة :

Your’s  Car

Café Thank’s

Let’s Coffee

Extra  Hyper Cyber

New Top Consulting

Best Super Engineering

Ecole English Omega School

 

أما اليافطات التجارية المفرنسة فتكاد تكتسح كل فضاءاتنا العامة لدرجة أن ثمة شوارع و مركبات تجارية و سياحية لا وجود فيها تقريبا لحرف عربي واحد حتى ليخيل للمرء أنه يجوب شارعا من شوارع مارسيليا الفرنسية أو يحتسي فنجان قهوة بمقهى من مقاهي جنيف السويسرية.

 

و هناك تسميات يكون ظاهرها فرنسيا في حين أن باطنها عربي و لا يكاد يخلو منها أي شارع من شوارع المملكة، و اعتمادها يعني ما يعنيه :

Imprimerie Arrimal Addahabia

Batteries Achchaab

Centre Copie Azzayzafoun

Salle de Sport Al Adalat Al Maftoula

 

و من أغرب ما يمكن للمرء أن يصادفه و هو يجول بمدننا هو ذلك الجمع العجيب بين تخصصين (أو أكثر أحيانا) تفصل بينهما مسافة لا تقل عن المسافة الفاصلة بين القارة الإفريقية و نظيرتها الأمريكية :

“إصلاح الساعات و علاج بوزلوم”

“حلاقة الرجال و ختانة الأطفال”

“تلميع الأواني الفضية و الحجامة”

“بيع الكتب و العسل و أملو و أركان”

“بيع المجوهرات و تقيب الودنين”

“كراء الدراجات النارية و الفوطوكوبي”

الدكتور عبد الرؤوف لمبحر : دبلوم في الإيكوغرافيا ـ دبلوم في التغذية ـ دبلوم في السكري ـ العلاج بالإبر الصينية ـ  علاج السمنة ـ الطب الرياضي ـ طب التجميل (بتقنية الليزر) ـ طب الأسرة ـ الطب البديل ـ تتبع الحمل … (للأسف، حيز اللوحة التعريفية لم يسمح للدكتور بإضافة الرقية الشرعية !!!!!!)

و في الواقع، أنا شخصيا لا أجد فرقا يذكر بين هذا الخلط المذهل و تسميات رسمية من قبيل “وزارة التربية الوطنية و التعليم الأولي و الرياضة” أو “وزارة الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغابات” أو “وزارة الداخلية و الإعلام” (في زمن ولى طبعا و لم تصل إليه بعد معاول علماء الأركيولوجيا الصغيرة للكشف عن كل تفاصيله و خباياه) حيث نلمس وجود إصرار على جمع ما لا يجمع “بزز” !!

و كما هو الشأن بالنسبة لكل الإبداعات المتميزة، يجب الانتظار طويلا قبل أن تجلب انتباهنا علامات تجارية ذكية و راقية و لطيفة و تستحق التصفيق :

Café Bla Bla

(بدون تعليق مادام تفسير الواضحات من المفضحات)

Galerie Bassamat

(تسمية فنية لفضاء منذور للفن)

La Mère-Veilleuse

(روض أطفال يفيض أمومة على ما يبدو)

Facebouffe         (مواكبة فعلية للعصر)

Dar d’Art

(مزيج جميل بين لغة الضاد و لغة موليير)

Trait d’Union

(متجر مقسم إلى قسمين يفصل بينهما باب العمارة)

Le Roi de la Loubia

(مطعم شعبي صغير بتخصص وحيد)

“أواني ست الحبايب”     (رحم الله محمد عبد الوهاب و فايزة أحمد)

“ماكياجك سيدتي”         (محطة من محطات صيانة الأنوثة)

“عقاقير بريكولينو”      (جمع ظريف بين الفرنسية و الأمازيغية)

“مكتب برج بابل للترجمة” (تسمية مستوحاة من أسطورة تحكي الكيفية التي نشأ بموجبها التنوع اللغوي)

“عازف الليل”        (متجر متخصص في ملابس التبرج النسائية)

“عند ربيع الأسطورة ـ لحماق و لمداق”    (مطعم شعبي متنقل)

“مطعم الشربيني و أولاده (باستثناء وائل)”

“مطعم وائل (وحده لا شريك له)”

هذه التسميات تذكرني بعناوين لا تقل إثارة اختيرت لمجموعة من الأعمال الروائية العربية المعاصرة من قبيل “أنثى مع وقف التنفيذ” و “عطش البحر” و “مرايا الضرير” و “الأسود يليق بك” و “عابر سرير” و “أريد رجلا”  و “اغتصاب و لكن تحت سقف واحد” … مع الإشارة إلى أنه في حالتي المطعمين الأخيرين يبدو أن الأمر لا يعــدو أن يكون مزحة بما أن التسميتين المذكورتين وردتا بمـنشور إلكتروني مفبرك في الغالب.

إضافة لها علاقة بما سبق : يحكى أن رجلا طلب من الراحل الطيب الصديقي أن يقترح عليه إسما يليق بمتجره المتخصص في بيع الملابس و الذي كان ما يزال  في طور التهيئة. و ما هي إلا ثوان معدودة حتى سلمه المسرحي المعروف بميله للسخرية  ورقة صغيرة خط عليها اقتراحا في غاية الظرف :    Shri – W- Tat Shop

ملحوظة ختامية : التسميات التجارية المذكورة أعلاه ليست واقعية بالضرورة، إلا أن التيارات المرصودة و الاعتبارات المعتمدة في انتقائها تظل عاكسة لواقع  الحال بكل أمانة.

نيشان الآن 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد