نيشان الآن
مراد العطشان
في قلب مراكش، حيث تلتقي الحداثة بالتاريخ، ظهرت قضية “كازينو السعدي” لتكشف عن إحدى أخطر قضايا الفساد في المغرب. بدأت القصة في عام 2001 عندما تم تفويت قطعة أرض استراتيجية بموقع متميز بسعر لا يتجاوز 600 درهم للمتر المربع، في حين كانت قيمتها السوقية الحقيقية تزيد عن 15,000 درهم. الصفقة أثارت صدمة واسعة، ليس فقط بسبب الفارق الهائل في السعر، ولكن أيضًا بسبب الشبهات التي أحاطت بتورط مسؤولين في استغلال النفوذ وتبديد المال العام. هذه الأرض، التي تحولت لاحقًا إلى مشروع “كازينو السعدي”، أصبحت رمزًا لصراع طويل من أجل تحقيق العدالة وكشف الفساد.
منذ البداية، لعبت الصحافة المغربية دورًا محوريًا في تسليط الضوء على تفاصيل القضية. إلى جانب الجمعيات الحقوقية، مثل الجمعية المغربية لحماية المال العام، التي قادت الجهود لتقديم الشكاوى وتحريك الملف قضائيًا، كانت وسائل الإعلام وسيلة أساسية في إبقاء القضية حية في النقاش العام. الصحافة، من خلال تقاريرها وتحقيقاتها، كشفت التلاعب في الصفقة وأظهرت التواطؤ الجماعي الذي شمل مسؤولين ومنتخبين سعوا لتحقيق مصالح شخصية على حساب المال العام.
القضية مرت بمراحل طويلة ومعقدة. في عام 2009، انطلقت التحقيقات الجدية، بعد سنوات من المطالبات الحقوقية والإعلامية، وتم الكشف عن وثائق تؤكد التلاعب وتبديد أموال عمومية. بحلول عام 2015، أصدرت محكمة الاستئناف بمراكش حكمها الابتدائي، الذي أدان المتهمين الرئيسيين بعقوبات تصل إلى خمس سنوات حبسًا نافذًا. تضمنت التهم الرئيسية التزوير، الرشوة، واستغلال النفوذ. في 2020، أكدت محكمة الاستئناف الأحكام الابتدائية، لكن القضية لم تُغلق بعد، واستمرت في مسارها القضائي وصولًا إلى محكمة النقض، التي حددت جلسة للنطق بالحكم النهائي في ديسمبر 2024.
الصحافة لم تكن مجرد شاهد على الأحداث، بل كانت قوة دافعة وراء الكشف عن تفاصيل القضية وتعزيز الضغط على الجهات القضائية للإسراع في معالجة الملف. التغطيات الإعلامية المستمرة، التي ركزت على التأخيرات المتكررة في التحقيقات والمحاكمات، ساهمت في إبقاء القضية في صدارة اهتمامات الرأي العام، مما منعها من التراجع إلى الظل أو الإغلاق دون محاسبة. من خلال مقالات تحليلية وتحقيقات معمقة، ساعدت الصحافة في رفع مستوى الوعي بخطورة الفساد وتأثيره على المال العام، كما دعمت جهود الجمعيات الحقوقية في تقديم أدلة قوية للمحاكم.
قضية “كازينو السعدي” أصبحت مثالًا حيًا على أهمية الصحافة كسلطة رابعة قادرة على تحريك المياه الراكدة ودفع العدالة نحو تحقيق الشفافية والمساءلة. اليوم، ومع اقتراب موعد النطق بالحكم النهائي، يترقب الجميع ما ستسفر عنه هذه المحاكمة التي تجاوزت عقدين من الزمن. هل ستكون نهاية القضية خطوة نحو تعزيز الثقة في القضاء، أم أنها ستظل شاهدًا على التحديات التي تواجهها مكافحة الفساد في المغرب؟
القضية ليست مجرد ملف قانوني عالق، بل درس عميق حول أهمية تكاتف الإعلام والمجتمع لتحقيق العدالة. من خلال دورها في كشف الحقيقة، ساهمت الصحافة في تعزيز الشفافية وتسليط الضوء على أوجه القصور، مما أضاف زخمًا كبيرًا لهذه القضية التاريخية. “كازينو السعدي” ليست فقط قصة فساد، بل هي قصة انتصار للعدالة بفضل قوة الكلمة ودور الإعلام في مواجهة النفوذ والفساد.
نيشان الآن