جامع الفنا.. مشروع التجميل بـ114 مليون درهم أم حفلة تمويه جديدة على جثّة الذاكرة؟ وهل سنُلدغ مرة أخرى من نفس الجحر؟

نيشان الآن 

مراد العطشان 

دخلت ساحة جامع الفنا مرحلة جديدة من “التهيئة”. ما قُدّر له أن يكون مشروعاً لتثمين ذاكرة مراكش، بدأ فعلياً بإزاحة ما تبقى من الثقة.
المبلغ المعلن ضخم: 114.7 مليون درهم. المدة المحددة: سبعة أشهر. أما الحقيقة، أعمق من مجرد أرقام وشعارات.
لا أحد منا ينكر أن الساحة تحتاج إصلاحا، لكن ما لا يمكن قبوله أن يبدأ المشروع بدراسة عمرانية تغفل وجود عربات الكوتشي، جزء لا يجزأ من المشهد البصري والتاريخي للفضاء. كيف مرت هذه الدراسة؟ من صادق عليها؟ كم كلفت؟ ولماذا أُعيدت لاحقا لتدارك خطأ بهذا الحجم؟
هل يعقل أن نتحدث عن مشروع تأهيلي دون استحضار مكونات الساحة؟ أم أن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد صفقة جديدة، تنفذ بعقلية بيروقراطية لا تعرف من جامع الفنا إلا اسمها؟
ثم نأتي للسؤال الثاني هل ستُنجز الأشغال في سبعة أشهر فعلا؟ وحتى إن حدث ذلك، من يضمن أن لا تكون النتيجة كغيرها من المشاريع السابقة؟ تبليط هش، إنارة خافتة، مرافق تنهار بعد الافتتاح، وصمت رسمي بمجرد الانتهاء من “التدشين”.
بل إن التساؤلات تتعاظم فهل سيكون هذا المشروع فعلا مراعيا لطبيعة الأنشطة اليومية داخل الساحة؟
هل أخذت بعين الاعتبار حاجيات أصحاب الحنطات وبائعي المأكولات التقليدية؟ هل تم التفكير في نوعية التبليط، بحيث يتحمل الحرارة، والشحوم، والمياه، دون أن يتحول إلى فخ قاتل في الشتاء أو ساحة زلقة في الصيف؟ أم أننا أمام نسخة أخرى من مشاريع لم تتعلم شيئا من أخطاء الماضي؟
التجارب علمت المراكشيين ألا يثقوا في وعود “التهيئة”، لأنهم رأوا بأعينهم كيف يهدر المال العام في بلاط لا يصمد، وكيف يقصى الحرفيون والمهنيون من مشاريع تخصهم، وكيف تعطى الأولوية للشكل على حساب الجوهر.
الخطاب الرسمي يتحدث عن “تحسين جمالية الساحة”، عن “تنظيم العربات”، عن “دفع عجلة التنمية السياحية”، وهي كلها عبارات مستهلكة لا تقنع من عاش دهاليز هذه المدينة ويدرك حجم الفوضى، والتراكم، وسوء التقدير في تسيير ملفاتها الكبرى.
جامع الفنا ليست زينة عابرة، ولا مسرحا لالتقاط الصور. إنها روح مراكش، ومن لا يدرك قيمتها، لا يحق له أن يمد يده إليها. الإصلاح لا يبدأ بالحجر، بل بالعقلية. فإما أن نكون على قدر هذا الرمز الحضاري، أو نترك التاريخ يسجل أننا خنا الذاكرة… وبعناها بأرخص صفقات التجميل.

نيشان الآن 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد