نيشان الآن
بقلم: خربوش زوهير
في ظل التحول الرقمي المتسارع الذي تعرفه مختلف القطاعات الحيوية بالمغرب، أصبح الأمن السيبراني قضية وطنية بامتياز. فرغم التقدم في رقمنة الإدارة وتطوير الخدمات الإلكترونية، تبقى المؤسسات المغربية عرضة لهجمات إلكترونية متزايدة، تضعف أداءها وتهدد سلامة معطياتها وخصوصية مواطنيها.
هجمات متزايدة… واستهداف لمرافق حيوية
خلال السنوات الأخيرة، رُصدت هجمات إلكترونية متطورة استهدفت مؤسسات حكومية، بنوكًا، ومرافق خدمية استراتيجية. وتنوعت هذه الهجمات بين هجمات فدية (Ransomware)، واختراقات تهدف إلى التجسس أو التخريب أو حتى قرصنة معطيات شخصية ومهنية. ما يزيد من خطورة الوضع هو تطور أساليب القراصنة، الذين باتوا يستغلون الثغرات الأمنية البسيطة لشن هجمات ذات آثار معقدة.
ورغم الجهود المبذولة من طرف بعض الهيئات، لا يزال المغرب يفتقر إلى منظومة سيبرانية متكاملة وقوية، تُواكب التحديات المتسارعة في هذا المجال، خاصة مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في القطاعات الحيوية كالصحة، الطاقة، المالية، والتعليم.
كفاءات شابة تتألق خارج الوطن… وتُهمل داخله
في المقابل، يزخر المغرب بكفاءات شبابية متخصصة في الأمن المعلوماتي، استطاعت أن تثبت نفسها على المستوى الدولي، سواء من خلال مشاركتها في مسابقات عالمية أو عبر مساهمتها في كشف ثغرات أمنية لدى شركات تكنولوجية كبرى. بعض هؤلاء الشباب يعملون اليوم ضمن فرق حماية معلومات في كبريات المؤسسات العالمية، بعد أن فشلوا في إيجاد فرص حقيقية داخل وطنهم.
ورغم هذا الرصيد البشري القيّم، لا تزال مؤسسات كثيرة تتعامل مع الأمن السيبراني كمسألة ثانوية، بدل أن تعي حجمه الاستراتيجي في ظل التحديات الراهنة. الأخطر من ذلك أن بعض هؤلاء الشباب يتعرضون للتهميش أو يُتهمون دون فهم طبيعة عملهم، بل إن هناك من قضى نحبه في صمت، دون أن تحظى قصته بالاهتمام الذي تستحقه.
دعوة للمسؤولين: استثمروا في العقول قبل فوات الأوان
إن الحاجة اليوم ملحة لتبني مقاربة وطنية جريئة في مجال الأمن السيبراني، تُشرك العقول الشابة وتُعطي الأولوية لتأهيل الكفاءات المحلية، عبر:
• إنشاء مراكز وطنية للأبحاث والتكوين في الأمن السيبراني.
• توفير فضاءات آمنة لتجريب وتطوير الحلول الرقمية بأيدٍ مغربية.
• تحفيز الموهوبين والمتميزين في مجالات الهاكر الأخلاقي والتشفير والاختبار الأمني.
• إطلاق برامج احتضان وتمويل للمشاريع الرقمية ذات البعد الأمني.
• وضع آليات للتبليغ عن الثغرات تُشجع التعاون بدل العقوبة.
السيادة الرقمية تبدأ من حماية البيانات
لم يعد الأمن السيبراني ترفًا أو خيارًا. إنه جزء لا يتجزأ من الوطنية، تمامًا كما هو الحال في الدفاع، والماء، والطاقة. فكما نحمي حدودنا البرية والبحرية والجوية، يجب أن نحمي فضاءنا الرقمي الذي بات ساحة حرب حديثة.
فهل نواصل التفرج على هجرة العقول وفقدان الفرص؟ أم نفتح الأبواب أمام جيل شاب يملك المفاتيح الرقمية لحماية المغرب من التهديدات المقبلة؟
الأمن السيبراني ليس فقط تكنولوجيا… إنه رؤية سياسية.
نيشان الآن