نيشان الآن
عصام سبادي.. صحفي
في تطور مثير وغير مسبوق، تفجّرت خلال الأيام الأخيرة فضيحة خطيرة بمدينة مراكش تتعلق بتبديد أموال عمومية في واحد من أكبر المشاريع الحضرية التي أُطلقت في العقد الأخير، ويتعلق الأمر بمشروع “مراكش الحاضرة المتجددة”. فقد تقدّمت الجمعية المغربية لحماية المال العام بشكاية مباشرة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، تطالب فيها بفتح تحقيق عاجل وشامل في ما وصفته بـ”شبهات اختلالات جسيمة وهدر ممنهج للمال العام”، خاصة في ما يخص المشروع المخصص للمحطة الطرقية بالعزوزية. الشكاية سلّطت الضوء على منح امتيازات مشبوهة لشركة خاصة لتشييد محطة وقود وفندق في موقع يفترض أن يُخصص حصريًا للبنية التحتية الطرقية، متحدثة عن تواطؤ مسؤولين منتخبين وتقنيين وتجاوزات خطيرة في التفويتات والتراخيص، بعضها تم بطرق “غير قانونية” و”تحوم حولها روائح فساد”.
هذه الفضيحة ليست سوى غيض من فيض لما بات يُتداول في أوساط المجتمع المدني والحقوقي، بشأن مشروع “مراكش الحاضرة المتجددة”، الذي انطلقت أشغاله سنة 2014 برعاية ملكية سامية، وكان يُفترض أن يكون ورشًا نموذجيًا لتحسين الفضاء العمراني للمدينة الحمراء، عبر تأهيل المدينة العتيقة، تعزيز البنيات التحتية، وتحديث الإنارة، والمساحات الخضراء، والطرقات، وكل ذلك بميزانية فاقت 6.3 مليار درهم. لكن بعد مرور أكثر من عقد من الزمن، لا تزال مراكش تنتظر ثمار هذا المشروع، الذي تحوّل في نظر كثيرين إلى عنوان للفوضى، التأخر، ورداءة الإنجاز، وسط غياب تام للشفافية والمحاسبة.
الواقع على الأرض يكشف حجم التناقض بين ما رُوّج له من وعود ومخططات، وبين ما أُنجز فعليًا. أشغال غير مكتملة في عدد من الأحياء، أرصفة محفورة تُترك لأشهر دون إصلاح، طرقات غير مهيّأة، مشاريع ترميم شوهت المعالم التاريخية بدل ترميمها، وأحياء كاملة غرقت في وحل الانتظارات. في المدينة القديمة، لم يسلم التراث من العبث؛ فقد تم صب طبقات من الإسمنت على أسوار عريقة، وتجاهل كلي للمعايير الهندسية الخاصة بالمعالم الأثرية، مما خلف استياء عارمًا لدى الفاعلين التراثيين والمعماريين، الذين اعتبروا أن المشروع أساء أكثر مما أصلح.
الأخطر من ذلك أن مؤشرات تفويتات مريبة لقطع أرضية مملوكة للدولة ظهرت للعلن، حيث جرى تفويتها لأشخاص محسوبين على مجالس منتخبة، بأثمنة رمزية، ثم أُعيد بيعها لاحقًا بأرباح فلكية. مصادر نيشان الآن تحدثت عن تورط منتخبين وبرلمانيين حاليين في هذه العمليات، وتحوُّل المشروع إلى وسيلة للإثراء الشخصي على حساب المال العام والانتظارات المجتمعية.
وفي خضم هذا الجدل المتصاعد، تساءل عدد من المتابعين عن دور المجالس المنتخبة، خصوصًا مجلس جماعة مراكش والمجالس المقاطعية، في تتبع وتقييم مراحل إنجاز المشروع، حيث يُسجّل غياب شبه تام لأي محاسبة سياسية أو إدارية رغم توالي الشكايات والتحقيقات الإعلامية. فالمثير للاستغراب أن بعض الأصوات التي كانت تروّج للمشروع باعتباره “نقلة نوعية” في تدبير الشأن المحلي، اختفت تمامًا من الساحة، تاركة الساكنة تتخبّط في تبعات ما تعتبره “خدعة تنموية” و واجهة براقة تخفي أعطابًا بنيوية.
نيشان الآن