من “حاضرة الأنوار” إلى مدينة الظلام: جماعة مراكش تصمت والشارع يشكو

نيشان الآن 

عصام سبادي 

في مدن تحترم ذكاء ساكنتها، يُفترض أن الضوء لا يُستورد من شعارات العروض التقنية، بل من مصابيح تُنير الأرصفة وتُشعر الناس بالأمان والانتماء. لكن في مراكش، المدينة التي نُسجت حولها أساطير الجمال والحداثة، يُمكن أن تسير على طرق رئيسية فتجد نفسك في مشهد يُشبه الظل الطويل لمشروع خُطّط له بكثير من الزخم، وجرى تنفيذه بكثير من العشوائية. هنا، لا تحتاج إلى التدقيق كثيرًا لتدرك أن مشروع “حاضرة الأنوار” لم يحقق من اسمه سوى “الحضرة” الدعائية… أما الأنوار فمكانها لم يكن الشوارع، بل العروض التقديمية وتصريحات مسؤولي الشركة والجماعة.

في مراكش اليوم، الحديث عن ضعف الإنارة العمومية تحوّل إلى حديث يومي في الأحياء والمنتديات، بعدما أصبح المشهد الليلي في أغلب الشوارع يسير في اتجاه مُعاكس لكل أهداف المشروع. ضعف الإضاءة، توزيع غير منطقي للأعمدة، تفاوت فاضح في الإنارة بين حي وآخر، ومساحات حضرية تَبدو وكأنها خارج الخريطة، وكل هذا يحدث في ظل صمت جماعة مراكش، التي يُفترض أنها المؤتمنة على ضمان جودة الخدمات المفوضة.

من بين النماذج الصادمة التي تفضح هذا الواقع، الطريق الحيوي الرابط بين عين إيطي ومقاطعة النخيل، والذي يعيش منذ مدة طويلة على وقع إنارة ضعيفة، ناتجة أساسًا عن تباعد لافت لأعمدة الإنارة، ما يُحول الشارع إلى سلسلة من البقع المظلمة المتقطعة، رغم كونه محورًا رئيسيًا يُستخدم بكثافة من طرف الساكنة. المفارقة التي تثير الاستغراب، بل الصدمة، أن هذا الشارع نفسه يعرف حاليًا أشغال تهيئة شاملة للرصيف والطريق… دون أن يشمل ذلك معالجة مشكل الإنارة! فلا إعادة نظر في توزيع الأعمدة، ولا تحسين جودة المصابيح، ولا حتى ربط مشروع التهيئة بحل جذري لمعضلة يعرفها الجميع ويعاني منها السكان منذ سنوات.

أين كانت عيون “حاضرة الأنوار” عندما خُطط لهذا التدخل؟ وأين هي جماعة مراكش من كل هذا التجاهل؟ أليس من العبث أن تُصرف الملايين على تهيئة سطحية، دون أن يُمسّ جوهر معاناة المواطنين في شارع معروف بضعف إنارته؟

ما يزيد الوضع قتامة أن مثل هذا المشهد لا يقتصر على عين إيطي أو النخيل، بل يُشكل نمطًا شبه عام في جل مناطق المدينة، حيث لا يظهر الجهد إلا في شارع أو اثنين في وسط مراكش السياحي، بينما تُترك باقي الأحياء، الشعبية منها والسكنية، تحت رحمة أعمدة متباعدة، وضوء بالكاد يكشف المترين المقبلين.

النتيجة واضحة: مشروع كلف ميزانية ضخمة، لكنه يُنتج إنارة ضعيفة، بل يخلق تفاوتًا مجالياً خطيراً، يعكس غياب عدالة في توزيع الخدمات العمومية. في الوقت الذي تتحدث فيه الشركة عن نسب تغطية مرتفعة ونجاعة طاقية مفترضة، تعيش مراكش على ضوء واقع آخر: واقع يعاني فيه المواطن من غياب الكفاءة، ومن عتمة تزداد عمقاً مع كل مساء.

ما يحدث اليوم ليس مجرد مشكل إنارة، بل عنوان لفشل في الحكامة، وسكوت غير مبرر من جماعة مراكش عن شركة فشلت في ترجمة التزاماتها، وأنتجت واقعًا حضريًا مرتبكًا لا يليق بمدينة بحجم وتاريخ مراكش.

نيشان الآن 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد