نيشان الآن
عصام سبادي
في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون مستشفى محمد السادس الجامعي بمراكش نموذجًا في الخدمة الصحية، وأحد أبرز المرافق الاستشفائية التي تعكس تطور المنظومة الصحية بالجهة، تعيش ساكنة مراكش ونواحيها على وقع صدمة مستمرة من واقع مرير تكشفه مقاطع فيديو متداولة بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى شهادات حية حصلت عليها جريدة “نيشان الآن” من داخل أسوار المستشفى نفسه.
المشاهد التي توثق لمعاناة المواطنين، سواء المرضى منهم أو مرافقيهم، ليست مجرّد استثناءات عابرة، بل تعكس نمطًا يوميًا من الإهانة وسوء المعاملة، يبدأ من بوابة المستشفى، حيث يتحوّل حراس الأمن الخاص إلى سلطة قمعية لا ترحم، تسيء معاملة الناس، وترفع الصوت في وجه المرضى، بل تصل أحيانًا إلى حد التعنيف اللفظي والجسدي، دون أي اعتبار للظروف النفسية أو الصحية التي يمر بها القادمون إلى هذا المرفق طلبًا للعلاج لا الإهانة.
مصادرنا الخاصة من داخل المستشفى تحدثت عن حالات كثيرة يتم فيها إرغام المواطنين على اقتناء مستلزمات طبية من خارج المؤسسة، رغم أنها من المفترض أن تكون متوفرة بالمجان، هذا الوضع يدفع كثيرًا من المرضى البسطاء إلى الوقوع في حيرة، بين الألم وبين تكاليف إضافية ترهقهم وهم داخل مستشفى عمومي يُفترض أنه مجهز وممول من المال العام.
قسم المستعجلات، الذي يُفترض أن يكون القلب النابض للمستشفى، تحوّل إلى مساحة للانتظار القاتل. مواطنون يفترشون الأرض في انتظار دورهم، بعضهم تجاوزت مدة انتظاره 8 ساعات دون أن يُنادى عليه، وفق ما صرّح به أحد الشهود للجريدة. داخل هذا القسم، تُحكم الفوضى سيطرتها، ويبدو أن سير العمل خاضع لمزاجية بعض الموظفين، حيث تُسجّل حالات غياب الكراسي، بل ويؤكد بعض المرضى أن شركات خاصة أصبحت تعرض كراسي وأسرّة متحرّكة للكراء داخل محيط المستشفى، في مشهد سوريالي لا يمت بصلة لقطاع الصحة العمومية.
لا نُعمّم، لكن أغلب من يتعامل معهم المواطن داخل هذا المرفق – من بعض الموظفين إلى بعض الأطباء – لا يشتغلون بضمير مهني، وتغيب عنهم أبسط شروط التعاطف الإنساني مع الحالات التي تكون أحيانًا حرجة ومؤلمة. البعض يتعامل مع المريض وكأنه متسوّل أو عبء، وليس إنسانًا من حقه تلقي الرعاية بكرامة. كل هذا يتم في ظل غياب رقابة حقيقية على السلوكيات والممارسات التي تنخر جسد المؤسسة.
ما يزيد من خطورة الوضع هو الصمت الرسمي تجاه هذه الوقائع، رغم توسع دائرة الشهادات والفيديوهات التي توثق ما يحدث، وهو ما دفع العديد من المواطنين إلى رفع أصواتهم بمناشدات موجهة مباشرة إلى جلالة الملك محمد السادس، علّ تدخله يعيد للمكان اعتباره كمرفق استشفائي يُفترض أن يحمل اسمه ويشرفه لا أن يسيء إليه.
إن ما يجري داخل مستشفى محمد السادس بمراكش، وخاصة في قسم المستعجلات، ليس مجرد خلل عابر، بل أزمة متكاملة الأركان، تبدأ من العقليات التي تُدير وتُؤطّر، وتنتهي في تفاصيل “البزنس الصحي” الذي يتغذى من جيوب الفقراء والمرضى. وهي أزمة لا يمكن تجاوزها بمجرد بلاغ رسمي أو ترميمات شكلية، بل بإعادة هيكلة حقيقية تبدأ من المحاسبة وتنتهي بإرساء ثقافة احترام كرامة المواطن داخل مرافق الدولة.
نيشان الآن