إيران وإسرائيل.. صراع الوجود بين حضارة متجذّرة وكيان طارئ

نيشان الآن 

عبدالرزاق القرقوري باحث في التاريخ

في زمن الاصطفافات الكبرى والانقلابات الجيوسياسية المتسارعة، يبرز في قلب الشرق الأوسط صراع مركزي بين إيران وإسرائيل، لا يمكن اختزاله في مجرد صراع عسكري عابر أو تصفية حسابات لحظة، بل هو صراع وجود بين مشروعين: مشروع حضاري متجذّر في التاريخ، ومشروع طارئ قائم على الاحتلال والدعم الخارجي.

إيران اليوم، رغم الحصار والعقوبات والضغوط الدولية، أثبتت أنها دولة تحمل مشروعًا كونيًا واضح المعالم: استقلال سياسي، سيادة تكنولوجية، وتسليح ردعي يصون الكرامة الوطنية. لم تنهَر إيران بمقتل قادتها، ولم تتوقف عجلة تطورها باغتيال علمائها، لأنها ببساطة دولة ذات مؤسسات راسخة وشعب يعي دوره التاريخي. إنها دولة بنت نفسها من رحم الحصار، وشقت طريقها نحو امتلاك التكنولوجيا النووية والصواريخ الباليستية بقوة إرادتها، لا بامتيازات دولية.

في المقابل، تعيش إسرائيل اليوم أزمة وجودية حقيقية. فرغم قوتها العسكرية وتفوقها التكنولوجي، تدرك أن استمرارها قائم على دعم خارجي هش وتحالفات غير مضمونة. وكما قال وزير خارجية باكستان ذات يوم: “إسرائيل دولة مارقة لا مستقبل لها”. فهي كيان قام على أنقاض أرض مسروقة، ويعيش في حالة استنفار دائم، ببناء الملاجئ وشراء الولاءات.

الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، تواجه معضلة كبرى. الدخول في حرب مفتوحة مع إيران لم يعد خيارًا سهلاً، في ظل توازنات دولية جديدة فرضتها روسيا والصين، ومزاج أوروبي منزعج من السياسات الأمريكية منذ إدارة ترامب، خاصة بعد تخلّي واشنطن عن أوكرانيا. وهذا ما يعزز قناعة الإيرانيين بأنهم وحدهم من يصنع توازن الردع في المنطقة.

أما الدول العربية، فهي في موقف المتفرج المرتبك، لا تدري إلى أين تميل كفّة المصلحة. لكنها في الحقيقة خاسرة في كل الأحوال: فإذا انتصرت إسرائيل، ستبقى وحيدة مهيمنة بلا رادع، أما إذا انتصرت إيران، فإن ارتباك تلك الدول ودعم بعضها الضمني للكيان الصهيوني سيجعلها في مرمى الحسابات الإقليمية الجديدة.

وفي قلب هذا الصراع، يتنفس قطاع غزة شيئًا من الأمل، بفضل الردود الإيرانية القوية التي أربكت منظومة الردع الإسرائيلية، وأظهرت هشاشة القبة الحديدية التي طالما تغنّى بها الإعلام الإسرائيلي، خصوصًا أمام صواريخ “سجيل” و”فتاح” الباليستية.

أما حزب الله، رغم ما تكبّده من خسائر، فما يزال يحتفظ بأوراق قوة قادرة على قلب الموازين، لا سيما في حال تدخل أمريكي مباشر. وحركة حماس، رغم القصف والحصار، ما زالت تسيطر وتقاوم وتحتفظ بالأسرى، وهو ما يدل على استمرار جذوة المقاومة.

باكستان، كقوة نووية، تراقب بدورها المشهد، ويُدرك الجميع أن أي انخراط أمريكي مباشر قد يستفزها، ما يهدد بفتح جبهة جديدة غير محسوبة العواقب.

والدرس الأهم الذي يجب أن تستوعبه الشعوب الإسلامية، هو أن السلاح النووي وتقنيات الردع ليست ترفًا، بل ضرورة استراتيجية لضمان الكرامة والسيادة وحماية الثروات من النهب والاستعمار. فالدول التي تُحسن تنظيم مواردها، وتستثمر في عقول أبنائها، وتصمد في وجه الابتزاز، هي وحدها القادرة على كتابة مستقبلها.

إنها لحظة الحقيقة في الشرق الأوسط: إما أن تنهض الأمم وتمتلك مفاتيح قوتها، أو تبقى مجرد أدوات في لعبة أمم لا ترحم.

نيشان الآن 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد