نيشان الآن
عبد الرزاق القرقوري.. دكتور باحث
في زمن يُفترض فيه أن يكون الخطاب السياسي وسيلة لتنوير المواطن وتحفيزه على الفعل والانخراط، أصبح في كثير من الأحيان أداةً للشحن العاطفي والتضليل، تنضح بالشعبوية والضحالة، وتبتعد عن الهم الحقيقي للمواطن والمصلحة العليا للوطن.
لقد تحوّل خطاب كثير من السياسيين إلى مسرحية مبتذلة، لا روح فيها ولا فكرة، مجرد محاولات بائسة لاستدرار العواطف أو دغدغة المشاعر، دون أي تصور عميق للمشكلات أو أفق واضح للحلول.
وليس الأمر جديدًا، فقد قال مالك بن نبي ذات مرة: “تتوقف فعالية أي فكرة على مستوى من يحملها.” وهذا ينطبق تمامًا على واقعنا السياسي، حيث انحطاط الخطاب مرآة حقيقية لانحدار مستوى بعض النخب التي تتصدر المشهد.
من جانبه، حذر عبد الرحمن الكواكبي منذ القرن التاسع عشر من السياسي الجاهل الذي “إذا تكلم فضح، وإذا وعد أخلف، وإذا ظهر في الناس أفسد.” ونحن اليوم نشهد عودة قوية لهذه النماذج التي تُغيب العقل وتُعلي من التفاهة.
إننا في حاجة ملحة إلى:
تجديد النخب السياسية، بضخ دماء جديدة من الشباب المثقف الواعي، لا الذين يُتقنون فقط فن الخطابة الفارغة.
إعادة الاعتبار للفكر في السياسة، بدل تسليعها وجعلها مجرد أداة للوصول إلى المناصب.
إشاعة ثقافة الحوار الراقي والمسؤول، بعيدًا عن التخوين والصراخ.
يقول نيلسون مانديلا: “السياسة يمكن أن تكون أنبل مهنة، إذا أُنجزت بضمير.” ونحن نؤمن أن السياسة ليست ترفًا أو وسيلة للارتزاق، بل مسؤولية أخلاقية وتاريخية.
أدعو كل الشباب إلى ممارسة السياسة، ترشحًا وتصويتًا وتعبيرًا عن الرأي، ولكن بوعي ومسؤولية. ولتكن لنا الشجاعة لا أن ننخرط فقط، بل أن ننتقد ونطالب بتغيير نمط الخطاب السائد، حتى لا تتحول السياسة إلى مشهد عبثي يفرّ الناس منه بدل أن يلتحقوا به.
إن تخليق الحياة السياسية يبدأ من الوعي بخطورة الكلمة، وبأن الخطاب ليس مجرد وسيلة إقناع، بل هو تعبير عن مستوى الأمة بأسرها.
نيشان الآن