نيشان الآن
عمر الوزاني
رغم تعدد الملفات القضائية المرتبطة بالفساد وسوء التدبير في عدد من الجماعات الترابية، يظل سؤال مركزي يفرض نفسه بإلحاح: لماذا لا تبادر المجالس الجماعية إلى تنصيب نفسها طرفًا مدنيًا في قضايا تمس المال العام ومصالح المواطنين؟
ففي الوقت الذي تتجه فيه الدولة، بمؤسساتها القضائية والرقابية، إلى تجفيف منابع الفساد، تظل الجماعات الترابية، في غالب الأحيان، غائبة أو صامتة، وكأنها غير معنية بما جرى أو يجري داخل دواليبها.
أحد أبرز الأمثلة الصارخة يتجلى في جماعة مراكش، التي لم تبادر إلى تنصيب نفسها طرفًا مدنيًا في قضية “كازينو السعدي”، التي يُتابَع فيها عدد من المنتخبين والمسؤولين السابقين بتهم ثقيلة تتعلق بتبديد المال العام والتلاعب في صفقات عمومية، وهو الملف الذي شغل الرأي العام المراكشي لسنوات، دون أن تتحرك الجماعة للدفاع عن مصالحها المعنوية والمادية، رغم حجم الضرر المحتمل الذي قد تكون تكبّدته المدينة وساكنتها.
المفارقة تتكرر أيضًا في مدينة فاس، التي استُدعيت جماعتها ضمن ملفات تتعلق بما بات يُعرف بـ”فساد التعمير”، والتي شملت اختلالات في رخص البناء والاستثناءات وشبهات استفادة غير قانونية. ورغم كل ذلك، لم تنتصب الجماعة طرفًا مدنيًا، في خطوة أثارت الاستغراب، وطرحت أسئلة مشروعة حول الأسباب والدوافع الحقيقية لهذا الامتناع.
يرى عدد من المراقبين أن غياب الجماعات عن مثل هذه القضايا لا يمكن تبريره بالجهل أو التقصير فقط، بل قد يعكس رغبة في حماية متورطين محسوبين على تيارات سياسية معينة، أو تجنّبًا لفتح ملفات قد تفضح تلاعبات أعمق.
وفي أحيان أخرى، قد يخشى بعض المسؤولين الحاليين فتح باب المساءلة الذي قد يطالهم هم أنفسهم، في ظل استمرار بعض الممارسات المشبوهة، ما يجعل من “الصمت الجماعي” درعا وقائيا للمنظومة بأكملها.
إن امتناع الجماعات عن المطالبة بحقوقها القانونية أمام القضاء يُمثل تفريطًا في المال العام، ويُضعف صورة المؤسسات المنتخبة أمام المواطنين الذين يعوّلون على هذه المجالس لتمثيلهم والدفاع عن مصالحهم.
نيشان الآن