جمارك مطار محمد الخامس بالدار البيضاء.. تجاوزات فردية تسيء لصورة المؤسسة

نيشان الآن

عصام السبادي.. صحفي

لم يكن عبور بوابة الوصول في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء بالنسبة لبعض المسافرين تجربة عادية، بل محطة مثقلة بالاستفهامات حول مدى انسجام الخطاب الرسمي لإدارة الجمارك مع بعض الممارسات التي لا تليق بهيبة المؤسسة ولا بما راكمته من مكتسبات على مستوى التحديث والتأهيل.

 

ورغم أن الإدارة الجمركية قطعت أشواطًا ملموسة في السنوات الأخيرة على مستوى الرقمنة وتحديث العتاد التقني، فإن بعض السلوكيات الفردية التي تصدر عن عدد محدود من الأعوان في الميدان تظل بعيدة كل البعد عن روح المسؤولية، وتُلقي بظلال من الشك حول قدرة الجهاز على التحكم في واجهته الإنسانية، التي غالبًا ما تكون هي المعيار الحقيقي الذي يُقاس به تطور الإدارات العمومية.

ما يلفت الانتباه أن بعض المسافرين، سواء من المواطنين أو الأجانب، يُقابلون أحيانًا بخطاب متعالٍ، يوحي وكأن المعني بالأمر بصدد الخضوع لاستنطاق أو شبهة قانونية، حتى في الحالات البسيطة التي يمكن تسويتها بمنتهى السلاسة والوضوح، دون الحاجة إلى افتعال التوتر أو تجريد المسافر من أبسط حقوقه في الاحترام والتقدير. ويكفي، قانونًا، أن يتم إعلامه بقيمة المقتنيات الواجب التصريح بها أو الرسوم المستحقة، ثم التعامل معه بما يضمن هيبة الإدارة دون المساس بكرامة الفرد.

ما يحدث في بعض الحالات هو العكس تمامًا. حيث تتحوّل الجلسة الجمركية من مجرد إجراء روتيني إلى مشهد يفتقر للحد الأدنى من الاحتراف، ويُبنى على الانطباع الشخصي أكثر من استناده إلى نصوص تنظيمية واضحة. والنتيجة: صورة مشوّهة لدى المسافر، سواء تجاه الموظف المعني أو تجاه المؤسسة ككل، رغم أن الأخيرة تبذل مجهودًا لافتًا في مجالات التأهيل والتحديث.

إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، باعتبارها واحدة من المؤسسات السيادية ذات الأدوار الحساسة، لا يمكن أن تُختزل في جهاز أو آلة تفتيش متطورة، بل هي بالدرجة الأولى موظف في الميدان، بكفاءته، وسلوكه، ومهنيته. وقد تكون التجهيزات على أعلى مستوى، لكن تصرفًا فرديًا واحدًا كفيل بنسف الصورة الإيجابية التي تسعى الإدارة إلى ترسيخها في أذهان المواطنين والشركاء.

المطلوب ليس جلد المؤسسة ولا التهويل من حالات معزولة، بل الاعتراف بأن المعركة الأساسية اليوم باتت مرتبطة أكثر بالعنصر البشري، وبمدى القدرة على ضبط سلوك بعض الأعوان الذين لم يستوعبوا بعد أن التعامل مع المواطن أو السائح ليس امتيازًا، بل واجبًا مؤطرًا بقانون وأخلاقيات مهنة. لأن أعين الرأي العام لا تُميز بين موظف وآخر، بل تقرأ المشهد كتجربة واحدة، وتبني انطباعًا عامًا يصعب تغييره لاحقًا.

في مثل هذه المرافق السيادية، لا مكان للتهاون في المعاملة. فكل تصرف غير مسؤول يُحتسب على المؤسسة، ويخصم من رصيدها، مهما بلغت درجة تحديث تجهيزاتها. إنها مسألة كرامة، قبل أن تكون إجراءً.

نيشان الآن 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد